هو غريق .. ليس إلا ..
وجد نفسه وحيداً .. وسط الأمواج المتصارعة المتلاطمة ..
و نفسه ذاتها .. تواجه صراع هي الأخرى في داخلها ..
جزئها يطلب النجاة .. بأي شكل كان ..
و جزئها الآخر يتمني لو يحتضن الموت ..,
للفرار .. أو للخلاص ..
و في كلا الحالتين .. قد ملّ الملل ,
داخل قرارة تلك النفس ..
و ينتهي مشهد ببداية آخر ..
ففجأة تظهر بارقة أمل ..,
لتنير دروب عالم أظلم منذ سنين طوال ..
مجرد ريشة .. تائهة هي الأخرى وسط الأمواج العالية ..
أعطت لذلك الملهوف إحساس ..بفرصة أخيرة في النجاة ..
مستـــحيل .. و لا مستـــحيل ..,
هما احتمالان لما قد تقدمه تلك الريشة لصاحب النفس الحائرة ذاك ..
لحظات تمر في صمت..
و كأن عقله يراجع الأمر .. مراراً و تكراراً ..,
و ينظر لما قد ينتج من حدوث الاحتمالين ..
دوامة .. هي بالفعل كذلك ..,
دخل فيها ذلك الغريق بكل مشاعره و جوارحه ..
و بدأ يتذكر ما مضى على نفسه من مآسي ..
يوم صَدَقَ .. فعُوقب عقاب الكاذب ..
يوم كان صاحب حق .. فسُجن لتطاوله ..
يوم رفض الإهانة .. فكان أول مُهان ..
يوم لجأ للقانون .. فحُكِمَ به ..
لكم تمني أن يروي ظمأ وريده ..,
بابتسامة أمه في وجهه يوم نجاحه ..
بفخر أبيه به .. و بتلك البنوة المشرفة ..
بقدوة ابنه التي قد اتخذ مكانها ..
بحب بلده و تقديرها له ..
إنه البائس .. نعم هو كذلك ..
و بعدما دار شريط الذكريات هذا أمام عينه ..
عرف أنه لو تحقق الاحتمال الثاني و نجا ..,
أي درب سوف يسلك ..
درب .. مليء بالفخاخ و الحفر ..
درب سوف يعيد عليه شريط الألم من جديد ..
درب كرهه .. قبل أن يراه ..
لا أظنه يقاوم أو يستسلم ..,
بل أراه يتلذذ .. و هو يموت غرقاً ..
لقد اختار الميتة الأسهل ..
ميتة يموتها .. برغبته ..
يذوق عذابها .. بيد نفسه ..
أراه يرتوي و يروي ظمأ وريده لأول مرة ..
فغاص هو .. و طفت الريشة ..
تمنيت للحظة لو أسألها ..,
كم من مشهد موت اشتركت فيه قبل ذلك الحين ؟؟!!
كم من بائس .. مات و معه ذكرى لكِ ..؟؟
كم من ظمآن .. آتى لبحرك كي يرتوي ..؟؟