الخميس، 26 نوفمبر 2020

رواية : الحياة تبدأ عند المنتهى


بسم الله الرحمن الرحيم

رواية :

الحياة تبدأ عند المنتهى

بقلم : إيمان أحمد

مد زراعك لجعبة النشوات..، لامسها وتفحصها ،داعبها جيداً قبل أن تختار..و اعلم أن مذاقك القديم سيتغير بعد لحظات 

الفصل الأول

شهر كامل مر على إقامتي هنا بشيكاغو، صحيح أن تلك الرهبة التي واتتني بمجرد وصولي لهذه المدينة قد تلاشت تقريبا الآن لكني ما زلت أذكرها بين ضلوعي أحياناً...كانت تضغط على صدري كأنها جبل أُحُد فلا يتحمل أن يعلو ويهبط بأنفاسي وهو ملصوق بهذا الثقل طول الوقت.

- ستقولين إنني فضولي على هذا السؤال ولكن لا بأس سأسأله طالما أردت منه خيراً، لقد أخبرني د. عبد الرحمن عن مشكلة ضعف السمع التي لديك لكن هل تعانين من مشكلة في التنفس أيضا أو مرض صدري ما؟؟لاحظت أنك تتنفسين طوال الوقت بصعوبة بل بالكاد تتنفسين، أنا فقط قلق عليك وقد أستطيع مساعدتك لو هنالك مشكلة ما؟

سألني البروفسور جورج بمنتهى الود عن تلك الحالة بعد حوالي الأسبوع من وصولي للمدينة المهيبة، كان قد طلب في رؤيتي بعد المحاضرة لأمر ما لم يذكر لي فحواه، امتثلت لطلبه والتوتر يسري في اطرافي ويشوش على عقلي لكوني أتوقع الأسوء دائماً لأي طارئ مفاجئ خاصة في هاتيك الفترة الأولى، فذهبت لمكتبه بالطابق الخامس في المبنى التعليمي محل منحتي الدراسية والمطل مباشراً على نهر شيكاغو وأنا ألهث كعادتي حينها فكان سؤاله منطقي ولا شك، بحضوري إليه وجدته مرحباً رزيناً وفوراً أشار إليّ بالجلوس وجثم هو خلف مكتبه وامامه صحف ومجلات وأوراق بحثية مبعثرة بشكل منظم وكما لاحظت سريعاً انها قد اتفقت فيما بينها بالعناوين التي تبحث في تنامي معدل الجريمة بالمدينة –بات هذا موضوعاً للنقاش في محاضرة تالية-. كادت أن تخرج مني ضحكة صريحة بمجرد أن سألني ذاك السؤال لكن أنفاسي منعتها وهُيأ للبروفيسور أنني أسعل بصوت مبحوح ليتأكد ظنه من وجود خطب ما بصدري...ولكن في النهاية كانت لتلك المقابلة أثر كبير في نفسي. شعرت بعدها أنني بخير بطريقة ما. طبقا لمدرسة أن هناك شخص قريب مهتم، وبمرور الأيام بدأت أنفاسي اللاهثة تهدأ شيئاً فشيء وانزاح الثقل تاركاً فراغاً كبيراً في صدري يسع الأنفاس وأشياء أخرى.

لا أنكر أنه لم يحدث في شيكاغو أي شيء يشي بهذه الحالة أو يسببها ولم يصدر من كل من قابلتهم حتى حينها إلا الخير، لكنه الاضطراب كان حرفياً مني وفيني، وكعامل مساعد على الاستشفاء قررت أن أطلق العنان للحماسة الجنونية التي طالما اعترتني في بواديء الأمور. فرحت ادرس بحماس و أعمل بحماس و في نيتي الإتقان أيضا و لكن اتضح أن النية وحدها لا تكفي..، كنت اذهب قبل مواعيد المحاضرات بوقت كبير قد يصل لساعة أو أكثر.، في البداية ظننت انه انضباط و شطارة مني لكن بمجرد أن تبدأ المحاضرة بالفعل أكون هناك و لا هناك، يروح انتباهي و يجيء كموج البحر،كذلك كان الحال بالنسبة للأوراق البحثية المطلوب تقديمها؛ فقد سجلت فيها بعض الإخفاقات حتى أنا لا أغفرها لنفسي – أين كان عقلي حينها - وفي أثناء ساعات العمل بالوظيفة التي كُلفت بها من مدرسة شيكاغو لعلم النفس المهني وهي جزء مهم ولا يتجزأ عن المنحة بل متم لها بالضرورة، كنت لا أنفك أقع في الأخطاء نتيجة فقداني لتركيزي، وإن ما كانت بسيطة فهي ما تزال أخطاء خصوصاً هنا في هذه المدينة التي تعمل على قدم وساق..، نهارات كثيرة متتالية أحسست و كأنما انا الخرقاء المنفردة فيها، انني الترس العاطب الوحيد في ماكينة لا تعطب.

-         لا على الاطلاق يا سيدي. لا توجد لدي أي مشكلة تنفسية ولا أي امراض صدرية ولكني اشعر برهبة تملأ صدري مذ وصولي إلى هنا، فزعة وخوف يتملكاني ولم أعهدهما من قبل.

-أكملت بإحباط- هما أيضا سبب الإخفاقات التي لا تنتهي من طرفي.

ضحك البروفيسور بعفوية وهو ينظر ناحيتي بنظرة متفهمة وحكى لي بعض المواقف الطريفة المشابهة لما يجري معي بسبب القلق و التوتر جراء السفر و الغربة لأول مرة عن الأهل و البلاد و التي وافته ايضاً وقتما كان وافد مستجد هو الآخر..، مثل أن جاءه الفواق و استمر في تقطع لمدة يومان كاملان حتى كاد يجن منه و من الإحراج وسط زملائه و اساتذته مما كلفه مكالمة دولية لمصر -والتي لم تكن حين ذاك بالزهيدة أبداً كما هو الحال الآن بفضل الإنترنت- ليسأل فيها السيدة والدته كيف يُذهب هذه الشهقة اللعينة عنه و هي التي اعتاد عندها حلول لكل مشكلة في الحياة، و جاءت توصيات الوالدة بأن يتغرغر بالماء المثلج أو أن يستحلب حفنة من السكر أو أن يُقطر بضعة قطرات من الخل إلى داخل حلقة وأخيراً إن يأس تماما عليه أن يشرب مغلى اللبان الدكر ساخناً.

-         تصوري لم يكن قد مر على وجودي هنا أكثر من عشرة أيام وصرت أجوب الأسواق بحثاً عن اللبان الدكر – ضحك عالياً بتأثر-لا أستغرب اليوم أن أجد في "الهايبر ماركيتس" بوسط المدينة ما هو أكثر غرابة وندرة من اللبان الدكر فالعرب المهاجرين انتشروا في كل الولايات المتحدة وخاصة في شيكاغو بنسبة لا بأس بها من مجمل السكان المحليين ومن ثم انشرت الاسواق الخاصة بهم ومحالات للمأكولات العربية وأشياء أخرى كثيره لا يعلم عندها الا الرب ثم العرب.

رجل بشوش ضحوك هو البروفسور جورج بالضبط كما أخبرني عنه د. عبد الرحمن المنيسي رئيس قسم علم النفس بجامعة القاهرة فالأخير هو من دبر لي المنحة ويسر السفرة بأكملها وأوصى صديقه القديم عني خيراً فلا ينفك الرجل الفاضل يطمئنني ويمازحني بأنه لا داعي للرهبة والخوف من شيء هنا وأنني سأجد الجميع متعاونون دائماً.

شرد فكري للحظات بسبب إشارات مستقبلات الروائح لدي إذ التقطت أخيراً ولتوها رائحة التوت التي ملأ أريجها المكان، لم أرتكن إلى أنها نوعاً ما بدأت تضغط على صدري أكثر وكادت تسلبني أشباه الأنفاس التي بدأت أسحبها لرئتي بصعوبة بين لحظة وأخرة وعلى الرغم من أنه بالفعل قد وجدت الجميع لطفاء حينذاك، لكن ذهبت لفكرة أن قلبي بدا لي معلق على شجرة التوت المثمرة صاحبة الرائحة الطيبة المنتشرة ها هنا وأني في الأغلب لا انتظر من اهل شيكاغو إلا أن يبدؤا مهرجان القذف بالحجارة –نظرية المؤامرة تلك اضعت فيها نصف عمري ولابد أنني لا أشفق على النصف الآخر منها-، عاد انتباهي من جديد للحديث المستمر ومازال البروفسور يحاول أن يسترخيني بالمزاح في الحوار الجاد.

-         ومع اعتياد الأمور و بمرور الوقت قد لا تعودك تلك المشاعر الا عندما تعودين لزيارة مصر

 عاد هو يضحك بحرية من جديد، واكتفيت أنا بالابتسامة العريضة الممتنة حتى لا أصدر صوت النباح مع الضحك ذلك من جديد..، كان يصر أن يتحدث إلي باللغة العربية – العامية المصرية بالأخص- و هو ما استغربته بعض الشيء في البداية لكونه يتحدثها بلكنه أجنبية مشابة ببعض الكلمات التي كان ينطقها بصعوبة إلى حد ما و تخرج من فمه خاطئة في النهاية بشكل مضحك – لعل مصر اوحشته - وقبل أن ينهي المقابلة أشار إلى بأنه قد أرسل ملف الحالة الصحية الخاص بي لطبيب المدرسة تزامناً مع إرسال أوراق التقديم على المنحة للإدارة كما هو مفترض و تمت الموافقة على إلتحاقي سلفاً و لكني ما زلت أحتاج لمتابعة حالتي بشكل دوري مع الدكتور توماس و أوصاني أن أزوره في أقرب وقت حتى أنسق معه مواعيد متابعتي على الفور..، بالسكينة والاطمئنان غادرت المكتب الذي دخلته لتوي بجرعة توتر ذائدة..، وقبل أن أهمّ بالرحيل لمحت أخيراً منظر النهر الجاري المطل من واجه المكتب الحائطية و الزجاجية بالكامل – بربي، كيف لم ألمحه منذ دخلت- .

ثلاثون يوما كاملين ولم أقرب أغلب و أهم محتويات الشقة الاستوديو التي تدبر استئجارها لي البروفيسور جورج بنفسه..، هي شقة صغير مربعة الشكل اشبه بالغرفة الملحقة بحمام و المجهزة منها بالشقة...كل شيء فيها لونه أبيض باستثناء الأرضية "الباركيه" العسلية اللامعة و وحدتي المطبخ الخشبيتان الأرضية و الحائطية المعلقة و التي كانتا بنفس لون الباركيه –أحببت اللون الأبيض- فأغلب أثاث بيتنا في مصر كان لونه بني غامق و الحيطان كانت مطلية بلون "الشاي الممزوج باللبن" – أو لعله كان أبيض في حداثه عهده و تحول إلى الاصفرار بفعل الزمن- لا أذكر إطلاقاً..، الخلاصة أنني سأمت البني و سأمت الاصفرار و سأمت نفسي التي عاشت بينهما..، الأبيض كان قرار صائب ولو لم أختاره بذاتي – ترى لو كان بالمصادفة لون دهان الحوائط نفسه هو ما في البيت القديم ماذا كنتي فاعلة؟؟- يا الله لن افكر..، حمداً لله انه لم يكن.

مضى الكثير من الوقت وما زلتُ أشعر أنني في بيت غريب عني..، ليس ببيتي..، حاولت مرات كثيرة أن ءألف اختلائي فيه و أن استشعر ذاكرته الماضية لعلها تؤنسني في وحدتي لكن رائحة الطلاء الجديد كانت تعبق بالمكان -هكذا لن أعود للماضي بل سأسافر لمستقبل غامض-..كنت قد فهمت في وقت سابق من مونيكا زميلتي و طالبة علم الاجتماع بالمدرسة و التي تعرفت عليها مؤخراً في صف علم النفس الإكلينيكي أن بعض المستأجرين يطلون الشقق بعد مغادرة كل مستأجر حتي يخفون آثار المستأجر القديم و تعود الشقة كالجديدة مرة اخرى و بالتالي يطلبون سعر أعلى من غيرهم..، و بالفعل كانت شقتي مستأجرة بسعر باهظ لكونها أيضا قريبة من وسط المدينة و لكن سبب اختيار البروفسور لموقعها ليس قربها من وسط المدينة ولكن لقربها من الأكاديمية وذلك كانت بتوصية خاصة من د. عبد الرحمن أن يكون محل اقامتي طوال فترة المنحة قريب من محل الدراسة و العمل معا..، المهم هو أن تلك الرائحة أوشكت أن تصيبني بالجنون أصبحت أشم رائحة الطلاء أينما ذهبت وكأنها التصقت بجيوبي الأنفية إلى الأبد..، أفسدت عليّ لعبتي المفضلة و التي أتقنها بشدة..، فطالما أحببت أن اتخيل شخوص من مروا بالأماكن تتجسد من حولي وتتوهج في عقلي صور حياتهم السابقة كما لو أنها الحقيقة التي صارت و حدثت في الماضي بشحمها و لحمها..، بالتأكيد الكثيرين عاشوا ها هنا فترة من حياتهم، ولا أنفك أتساءل كيف كانت قصتهم وكيف أصبحت..، أكيد هنا اغتسلوا و هناك اكلوا و هنالك شربوا و هنا ناموا..، و لعلهم مارسوا الجنس أيضاً –لا لا لا فكرة غير مريحة على الاطلاق أن تنام في سرير تشك أن شخص ما مارس عليه الجنس من قبل و لعلهم أشخاص كثر فعلوها وليس شخصاً واحد-..، للحظات شردت في الجنس وتراءى لي ما قاله ماركيز عن ما تخلّفه ممارسة الحب على الأسرّة..، أحسست ببعض القرف لما بدر لذهني ماهية ألوان تلك المفرزات وما قد تتشبه بها رائحتها حتى ذادت طينة القرف بلّة من بعض الاثارة...لذلك تهربت من أفكاري بسرعة وقمت عازمة النية على أن أرتب وألملم الشتات المنتشر والذي تراكم شيء فشيء على مدار شهر كامل في أرجاء الغرفة البيضاء المربعة حتى بدت بسببه أضيق وأكثر إحناقاً..، فدورت دورتان تفقد حول نفسي وأنا أردد بتهكم -نسي ماركيز أن يذكر أهم ما يخلّفه الجنس ...الأطفال-.

حرى بي أن أتجه أولاً نحو الكتب المتراصة فوق بعضها هنا وهناك كناطحات سحاب شيكاغو التي يُهيأ للمرء أنها تميل نحوه من فرط الفوبيا لكنها لا تركع منهارة إليه كما توقع أبداً، كذلك كانت ناطحاتي الكتبية يتراءى لي انها ستسقط كلما وقع نظري عليها صدفة أثناء مروري بحذر حولها ولكن هيهات..، كانت متماسكة كالعلوم النفسية بداخلها..، ألقيت عليها نظرة سريعة متفحصة ثم بدأت ألملمها وأصنفها ثم صففتها بإنتظام في المكتبة الأفقية الممتدة تحت نافذة الغرفة العريضة، وجمعت ما سقطت منها وما تناثر حولها من أوراق بيضاء فارغة واوراق ملونة ومزركشة، بعضها احتوت مسودات فوضوية لأبحاث جزء منها تم تسليمه بالفعل وجزء ثاني جاري العمل عليه واخري عليها خربشات بالقلم الرصاص وبالقلم الأحمر والأزرق وقليلة منها بالقلم الأخضر، اعتدت نقش هكذا مخطوطات وأشكال وقتما راودني عمق التفكير وتصادف أن في نفس الوقت يرتاح قلم ما بين أصابعي..، اختلفت أشكالها ما بين نجوم أقرب لبتلات الثلج ومتاهات كثيرة متقاربة وبعضها متداخلة و منحنيات ثلاثية الأبعاد ومربعات كثيرة متجاورة بحجم ثابت كرقعة الشطرنج بعضها مظلل بالحبر وبعضها ظفر بلون الورق الأصلي، لم أشعر أنني غريبة الأطوار أبداً برسم هكذا أشياء وقتما كانت توبخني أمي دائماً على قذارة كتبي وكيف أن كل هوامشها قد إحتبرت بالنقوش الغريبة لكني أيقنت فقط بغرابة أطواري عندما تبادلتُ الكتب مع زميلة لي أيام الكلية بجامعة القاهرة بين الفصلين الدراسيين كما اعتدنا نحن الطلبة أن نفعل توفيراً لنفقات الكتب طالما انتهينا من المادة في فصلنا الدراسي الأول وسيبدأ بها زملائنا في قسم آخر في فصلهم الدراسي الثاني ونحن بدورنا نأخذ المادة التي انتهوا هموا منها في فصلهم الأول..، ولدهشتي وجدت كتب زميلتي مليئة بالقلوب الكبيرة و الصغيرة  وتخترقها جميعاً أسهم "كيوبيد" المزعوم وأخيراً تكلّلها الحروف الأولى من أسماء المتحابان وهما طبعا لزميلتي وآخر..، لم أكره رسوماتي قط بل كنت دائماً أشعر أن لها معنى حقيقي منبثق من حالتي النفسية وإن كنت لا أفسره وهذا ما أثبتته دراستي بالفعل في قسم علم النفس لكن جاء اعتقادي بغرابة الأطوار من منطلق أن الجميع من حولي اكتشفوا اذ فجأة أن لهم قلوب تنبض بالمشاعر وأنا ما زلت في ثباتي القديم حتى أنهم خططوا للنفقات التي وفروها من مشروع تبادل الكتب التعاوني ذاك وفي أشياء كالهدايا و المكياج والورود والعطور سيبددونها لكني بخلافهم ما وجدت شيئاً افعله بالنقود سوى أن اعطيها لأمي كمبرر مبدأي للنزعة الجديدة المستوحاة من الشفاف المقبّلة والعيون الباكية إلى جانب القلوب والأسهم اللانهائية التي اجتاحت بعض كتبي على حين غرة..، ولأني بهذا كنت أتجنب نشوب خلافاً لا أساس له مع والدتي حصلت على آخر ولم ينقذني منه إلا إسمي وحرفه الأول الذي ولحسن الحظ كان يختلف مع كلا الحرفين المنتشرين كالدود بالكتب.

كومة ملابس متسخة و كومة أخرى لملابس نظيفة –لتوي صنفتهم بدقة- المتسخة على الأرضية أمام الممر الصغير في مدخل الغرفة و النظيفة على حافة السرير الموازي للدولاب الكبير والمخفي بدقة داخل الحائط الأيسر للممر و كومة أكواب و أطباق تحتاج للجلي – إلتقطهم من كل الأنحاء - أربعة أكواب ببقايا قهوة متيبسة في قعرهم كانوا متراصين عند حافة النافذة البيضاء الواسعة والمقابلة للدولاب الكبير ومن خلفهم تتدلى الستارة ذات الشرائط الطويلة الأفقية البيضاء القابلة للطي لأعلى بواسطة حبل متدلي على الجانب..، وإثنين جف الشاي ذي الحبيبات الناعمة السابق غليه على حوافهم من أثر الشرب وجدتهم بجوار الثلاجة الملاصقة للدولاب الصغير والمخفي بدوره داخل الحائط الأيمن للممر وفوق رخام وحدة المطبخ السفلية و التي يتوسطها المجلى وفي الناحية الأخرى منه تقبع أكواب المياه بترسبات بيضاء جافة فوق غسالة الصحون الواقفة بجوار البوتاجاز الكهربي ذو الأربع شعلات و المزود بفرن صغير..، هذا بخلاف الاطباق الملوثة ببقايا الطعام و المتراصة عمودياً هنا و هناك بشكل متزعزع بسبب انحشار الملاعق الشريدة بين كل طبق وفوقه..،-بعدما إلتقط الجميع وضعتهم بالمجلى الصغير المكتظ من الأساس بملاعق اخرى كبيرة و صغيرة و طاستان و أربع أواني "إستانليستيل" مختلفة الاحجام..، صحيح هو مطبخ متكامل و لكن صغير جداً مثله مثل الحمام المجاور له كان أيضا ًصغير جدا لكن متكامل بدهشة و فيه تقريباً كل ما أحتاجه.

لم يكن يشكل لي الجنس من قبل أي من الهواجس على الإطلاق-يا للغرابة- ولكنه الآن اشبه بالطيف الذي يلوح صداه من حولي من وقت لآخر و لا يرحل..، و الاغرب أنه لا يأتيني في صورة شهوة لكن بصورة الفكرة نفسها-فكرة الجنس-..، لم نختارها نحن بهذا الشكل بل اختارها الله..، قد تمارسه مرتين بينهما ساعة واحدة و تكون إحداهما حراماً و التالية لها حلال..، هذا ان عقدت القرآن في تلك الساعة..، قد تمارسه و تستمتع و قد يمارس عليك وتستنفر و قد يمارس منك أو معك إستطلاباً لشيء سواه..، خلق الله الفكرة و أبدع فيها ثم وضع قوانينها – كالمقادير و طريقة التحضير- لكن دائما هناك للإنسان رأي آخر..، -كفى...يجب أن أكف عن هذه الأفكار و أنتبه للفوضى من حولي-

شرعت أفرغ محتويات الأكواب والأطباق والأواني والطاستان من قاذورات الطعام المتبقية في سلة النفايات المحمية من التلوث بكيس بلاستيكي سبق أن وضعته بنفسي بداخلها...،و قبل أن أحمّل غسالة الصحون بالصحون لأول مرة منذ جئت وسكنت، فقد تصفحت على حاسوبي المحمول كتيب تعليمات التشغيل لطراز غسالة صحون أخرى و لكن من نفس العلامة التجارية، فلم أجد كتيب هذا الطراز بالذات بعد البحث-اظنه طراز قديم وهذا هو السبب- لكنها الطريقة سيان تقريبا ًفي كل أنواع الغسالات...وضعت كل شيء في المكان المخصص له و ضغطت زر "تشغيل"...، -يا له من شعور مختلف للجلي عن الشعور الظلامي القديم-..، بدأ ينطلق صوت ماء يُصرف ثم صوت ماء يُسحب ثم صوت رشاشات للماء تضرب الأشياء بالداخل والقطرات تقرقع على سطحها –حان وقت ضبط سماعة أذني على مستوى 1 بدلاً من 3 -.

الساعة لتوها تمت التاسعة بمساء ليلة الأحد..، -هذه ستكون آخر عطلة أبددها في لا شيء- عطلاتي السابقة كلها قضيتها ما بين الغسيل اليدوي لملابسي بالمسحوق الذي اتيت ببعض منه من مصر-تحسباً مني لقضاء الأيام الأولى بالاكتفاء بالموارد المتاحة دون الحاجة للتسوق- ثم كنت انشره على حبل صغير فوق حوض الاستحمام ملفوف بداخل كوة مثبته في الحائط و طرفه بارز-تجذب الطرف و تعلقه في شنكل صغير مثبت في الحائط المقابل-لم أعرف عن هذا الاختراع الا بعدما نشرت في أيامي الأولى بعض الملابس على حافة النافذة وهبت الرياح بما لا أشتهى و أخذت الملابس بعيدا –لم احسد على ذاك الموقف- جريت مذعورة عبر الدرج خلف الملابس المحلّقة ولحسن حظي لم ينتبه أحد أو أن الناس هنا يقصدون ألا ينتبهوا لغير شئونهم هذا اللهم ما دون أن شأنك يضر بهم و بشئونهم فساعتها يصبح شأنك شأنهم حتى يستقيم الاعوجاج بك و بشأنك..، و بالرغم من ذلك رافقني الإحراج لليوم التالي وخلال الثرثرة حكيت لزميلتي في الصفوف والأكثر قرباً لقلبي "ماريا" على حادثة الملابس الطائرة خاصتي و بعد أن ضحكت وأضحكتني أخبرتني عن ذلك الإختراع المنقذ..، و بخلاف هذا وذاك و كمرحلة ثالثة حتمية لغسل الملابس و تجفيفها كنت اكوي الملابس فيما تبقى من الوقت بالمكواة الصغيرة الخاصة بالسفر و التي بالفعل سافرت معي إلى نصف الكرة الأرضية الآخر..، ثم يأتي فيما بعد دور فروضي والأوراق البحثية المطلوب إنجازها و آخرى مفروض تنقيحها وخلال أيام الأسبوع كله لم أهتم أبداً بتخصيص أي وقت للطعام سواء في النهار أو في الليل فكنت آكل وقتما تقرصني غصة الجوع وكل طعامي كان من -الطعام السريع- كما يسمّونه..، لم ألق بال إلى أنه غير صحي وغير مغذي، إهتميت فقط بأنه سريع و زهيد السعر و يسكت معدتي لبعض الوقت لذا فإستخدام الأطباق هنا في البيت كان يحدث في أضيق الحدود أما الأكواب فكنت استخدمها للمياه و الشاي و القهوة فقط و لما كان مذاقهم مختلف بطريقة مستفزة عن ما تعودت عليه أصبحت اشربهم بين حين و حين و استمر انقضاء وقتي بنفس المنوال حتى اختتم الشهر الأول بعطلات كانت بالتأكيد كلها مملة و متخمة بالإبتئاس..، و بغرة الشهر الجديد و في نهار السبت الأول له ذهبت للتسوق برفقة ماريا –كما تواعدنا سابقاً وقتما أخبرتها عن حادثة الملابس- وأيضا لتفقد الجادات في محيط مقر سكني بطريقنا للمجمع التجاري في مساعي مني للحد من التيه إذا ما نزلت مثلاً للتمشية بحالي و هذا طبعاً بخلاف الشوارع في طريقي من و إلى المدرسة و التي قد حفظتها عن ظهر قلب..، صحبة ماريا كانت رائعة و حقيقةً لولاها لضِعت في نواحي كثيرة..، وهي التي ساعدتني في شراء المؤن لعدة أسابيع والأهم منه شراء المساحيق المناسبة لغسالة الصحون و أخرى لغسل الملابس و التي سأحتاجها في ذهابي للمغسلة فيما بعد.

-         حسناً سأتقبل فكرة غسلك للملابس يدوياً لكن لا أفهم كيف مر عليكِ شهر هنا في شيكاغو ولم تستخدمي غسالة الأطباق ولم تستخدمي "الشوفاج" ولم تستخدمي فرن البوتاجاز، بل لم تشاهدي التلفاز حتى؟؟!!. ذاك لم يكن شهر في شيكاغو بل شهر في الجحيم.

قالت ذلك وهي لا تكاد تصدق أن هذه أفعال يقوم بها البشر الطبيعيون في القرن المجنون هذا. أضحكتني كثيراً تهكماتها التي امطرتني بها طوال اليوم وكذلك أخذتني للتعرف على المنحنى الجديد الذي شارفت حياتي على الإنزلاق معه –لأعلى–حسب ما أتمنى، لم أخبرها أنني لم أستخدم غسالة أطباق أبداً من قبل ولم أستخدم جهاز التدفئة المركزي ذاك أيضا من قبل-الشوفاج كما تسميه هي-، لم اخفى ذلك خجلاً ولكن لسبب ما أحببت الإنزلاق بهدوء بين هذه الأشياء.

هدأت ضوضاء الخلفية التي سببتها حركة غسالة الاطباق بعدما عدلت مستوي الاستماع للأصوات من الأعلى للأقل و هو الذي اعتدت على رفعه فور عودتي للبيت مساء كل يوم حتى لا يأكل الهدوء و الأصوات الخفيضة القليلة من حصة سمعي اليومية و هذا تماما عكس ما كنت أفعله فور عودتي للبيت في مصر..، بيدي بدأت أرتب السرير واضع عليه شرشف نظيف بعدما أضفت الشرشف القديم بخفة لكومة الملابس المتسخة وعقلي يفكر بالسرير و يلامسه أكثر منها..، لم أجرب الجنس من قبل-ما زلت عذراء "بالمعنى المحبب"- هناك أيضا لفظ آخر أعشقه – بتول-..، وحقيقةً لا أعرف لم كل هذا الاعتزاز بالعذرية الذي اشعره بذم الآن ولم يكُ شيئاً من قبل -بخلاف أنني أرفض الزنى و أحفظ فرجي كما تربيت وأمرني ديني- لكن شعور الفخر بالعذرية لدي وكأنما تكوّن بداخلي لذاته، أصبحت أحب عذريتي وأفاخر بها نفسي هي وبتولتي لنفسهما وليس لأن الزنا حرام..، تشكل عندي هذا الشعور من فترة وجيزة كنتاج طحلبي غريب لفترة سابقة مارست فيها العصف الذهني بإسهاب على جوانب قصة عمر، -ذاك بالتأكيد لم يكن عصف ذهني بل عصف بذهني- لكوني بدأت استهجن هذا الشعور ولا أفهمه. فما المهم في أنني ما زلت عذراء مثلاً وكأني العذراء الوحيدة الباقية في الكون كله، وكأني الوحيدة المحافظة على شرفي بل وكأن شرفي نفسه انحسر في هذه البقعة المعتمة فقط وترك كل السطح المكشوف بالنور لحال سبيله، كان خليق بي ألا أختزل الشرف هكذا كما فعل الجهلاء، لست أنا من يفاخر بعدم الوقوع في الذنب بل وليس لقوة إيماني وحبي لطاعة ربي لكن فقط لأن غيري وقع فيه وأنا لم أفعل..، مثل ذريعة شيطانية في النفس كهذه حرى بها أن تقرّب من السقوط فيما فاخرت بعدم حدوثه من البداية..، -سحقاً لتلك القصة- يجب أن أنساها للأبد.

حالما انتهيت من السرير روحت أعدل موضع الكرسي الوثير الوحيد في الغرفة و أحضرت مجموعة الأكياس محصلة تسوق اليوم و وضعتها تحت موضع قدمي بعد الجلوس و بدأت أصنفها، فالأكياس التي ستذهب محتوياتها إلى الثلاجة أنحيها جانباً -لن أقوم لأحفظها في المبرد إلا بعد أن استريح برهة-..، وإلى الجانب المعاكس أترك أكياس المنظفات لنفوذة رائحتها – و إلا سيكرف الطعام من هذه الرائحة-..، وانفردت أخيراً بالكيس الأهم، كريم مرطب من ماركة "نيفيا" و قناع مغذي للبشرة جاهز للاستخدام والتطبيق فوراً وزبدة مرطبة للشفاف كلاهما أيضاً من نفس العلامة التجارية بالإضافة لبطاريات ألمانية المنشأ صنعت خصيصاً لأجهزة ضعف السمع مشار عليها أنها " تعمل بجهد مضاعف و تدوم لفترة أطول" –أتمنى هذا- فشرعت اقرأ كارت معلومات المنتج بمنتهى النهم و التركيز وكانت هذه البطاريات آخر ما احتوى الكيس المهم.

-         نادية.... هل لي بسؤال؟ -بتردد حذر قالها-

-         طبعا...تفضل سل ما تريد

-         كيف فقدت سمعك؟

ضحكت كما لم أضحك يوماً خاصة على مثل موضوع للحديث كهذا –حتماً أفزعته..، تصرفات المخبولون هذه يجب أن أتحكم فيها من الآن فلن يتفهم الكثيرين ما أتفهمه أنا مع نفسي-.

-         انا لم أفقد سمعي قط...أنا من ضعاف السمع لكني ما زلت أسمع وسماعة أذني ها هي تشهد علىّ، وإلا كنت سأحدثك الآن بلغة الإشارة وليس بالكلمات وإلا فما رأيك؟؟!!

خلال آخر خمس سنوات من حياتي بدأت أتعامل مع كل ما يتعلق بأزمة الناس في أمر سمعي ببساطة علمنيها أبي دون أن يقصد، هذه خلقة ربنا يفعل بها ما يريد فلا نحن نعترض ولا حق للآخرين باللوم علينا بشأنها، هكذا كان يقول لى دائماً ويختتم كلامه على الدوام مهما اختلف الموضوع بجملة ثابتة -كلا يلهى في مشكلته أفضل له من العبث بمشكلات الآخرين-، مؤخراً فقط فهمت وأدركت، حتى إدراكي بلغ فلسفة أبي وتجاوزها بمراحل واسعة لم يعلم هو عنها شيء...

-         هل لي أن أسألك أنا سؤال؟

سألته بخفة وحبور فأومأ لي بالموافقة لما حرك رأسه لأعلى ولأسفل وعلت محيّاه نظرة متفهمة ودودة، فقلت -هل ستفرق القصة في شيء؟ - فأومأ مرة أخرى بالنفي محركاً رأسه لليمين ولليسار بحب لم يبح به حتى يومي هذا. يومي المزدحم بآمال البدايات الجديدة لنفسي وبدونه.

كان الجو ما يزال بارداً ولا تنفك درجة الحرارة في الانخفاض يوم بعد يوم في طقس شيكاغو وعلى الرغم من ذلك خُيل إلى أن الطعام يذوب داخل الأكياس يطلب نجدة المبرد – وأنا اطلب النجدة بدوري لهمّتي التي ذابت بعد هذه الذكرى-.

لبيت النداء و هممت أضع البقالة و أحفظها في الثلاجة..، بيض و جبن و حليب و زبادي و مشروب غازي و عصير مانجو و شوكولاتة داكنة و فاكهة متنوعة ولكن بكميات محدودة –كشيمة أهل البلد هنا في شراء الفاكهة فعلت-..،رحت آخذ الغرفة ذهاباً و إياباً أروح بكيس و آتي بآخر..، حملت أكياس المنظفات لأحفظها بداخل وحدة المطبخ السفلية-تحت المجلى بالأخص- ومعها عبوات مساحيق غسالة الصحون التي كنت تركتها فوق الغسالة بعدما استخدمت منهم القليل لجلي الصحون بداخلها...-..،والتي لم تتسع لكل الصحون فقط اتسعت ثلاثة أرباعهم و بقى الربع تقريباً يؤنس المجلى حتى حين –غدا سأرى في امره-.

بالدوار بدأت أشعر، ولا أفهم لم ألحت على ذكرى أمي، يجوز لأنها هي التي كانت لا تكف عن الذهاب و المجيء لا ليلاً ولا نهاراً بالبيت في مصر..، ومع ذلك لم تخسر الوزن أبداً كما تضرعت وتمنت..، طالما استغربت نشاطها المفرط وكثرة تذمرها وسخطها الحاقد على كل شيء بالكون مهما صغر أو كبر، ومهما كان له علاقة بها أو بنا جميعاً سواء من قريب أو من بعيد كانت تستنكر وتشمئز وفقط..، كيف لم تخسر الوزن بعد كل هذه الممارسات الحارقة لدهون الشرق الأوسط بأكمله، أي سعرات حرارية تلك التي صمدت امام السخط الشديد والحقد المتواصل وهما موصوفان كرياضة للعقل من شأنها أن تفتك بالدهون الزائدة في شهور معدودة خاصة مع فرط الحركة..، فعلى سبيل الذكرى والتشهد بالأدلة معاً افتكرت تلك المرة عندما كنت في المرحلة الثانوية وقتها تخاصمت خالتي الصغرى مع زوجها وجاءت في زيارتنا لتحتمي بأمي وأبي في صفها مقابل صفه و بغض الطرف عن أنها أساءت الاختيار إلى أننى لاحظت في خلال الشهرين التي تدهورت فيهما المشكلة وبالطبع طالت مدة إقامة الخالة لدينا أنها قد فقدت حوالي نصف وزنها بدون أي مبالغة أبديها فكم الهم والغم اللاتان قاستهما من الحقد و السخط على ظلم زوجها لها كما ادعت جعلاها كأنها تأكل سراباً لا طعاماً يسمن أو حتى يغني من جوع..، فكيف صمدت دهون أمي أمام هذا السخط الذي فاق سخط خالتي نفسها..، وهذا لأنها سخطت على وجود أختها في البيت و سخطت على موافقة أبي من الأساس على مكوث خالتي عندنا و سخطت على زوج أختها الذي تمادى وأحنق الأمور أكثر بل إن الأمر وصل لأنها سخطت على القدر نفسه بمثل ما اعتادت أن تردد "لم نحن يا الله، لم اختصتنا بتينك الأزمات دون غيرنا من الناس"...، وكما لم أفهم طبيعة دهون أمي الجبارة لم افهم ايضاً طبيعة أمي نفسها وقتذاك، كانت تملأ البيت حركة وصياح ومسبات وقيود لا تنتهي، جعلت البيت يحاكي السجن و لا وجود لأي حرية إلا للتي استكنت خلف أقدام أبي والتي متى ذهب ذهبت و يموت من بعدهما كل شيء إلا من أمل الضمير المعذب في إحداث التغيير الواجب.

أذكر أنه في نهار غريب حدثنا مدرس اللغة العربية بالمدرسة الثانوية عن جزء من قصيدة "لا تصالح" للشاعر "أمل دنقل" كان قد استعان بهما لترسيخ فكرة ما ربطها بموضوع الدرس المشروح. نسيت يومها المدرس وما يدرسه وأخذتني الزهوة والافتتان بتمرد الشاعر صاحب الأبيات وكيف أنهم وصفوه على حد قول الأستاذ بأمير شعراء الرفض. شعرت أن روح ذاك الرجل تناديني منذ يومها وحاولت كثيرا أن أنتشي بتلك القصيدة كاملة بعدما رجوت المدرس أن يخبرني أين أجدها وأخبرني أن كل قصائد الشاعر المذكور مجمعة في ديوان له يباع بالمكتبات ومتاح للاستعارة بالعامة منها إن أردت، لكني فكرت أني اريد امتلاك الديوان للأبد من فيض الحَميّة لا مجرد استعارته بشكل مؤقت، وبالتالي يظل في كنفي دائماً دستوراً للرفض كهذا يجعلني مِقدامة وقادرة على أن أذهب لأرفض أمي متى أساءت المعاملة –وهي المسيئة دائماً- واستنكار ما تفعله بنا طوال الوقت، ولكن ككل مرة يدفعني فيها هُراء المراهقة لبسالة وبطولة ما فاشلة فتصعد بي نشوتها للسماء على أجنحة عنقاء عملاقة حتى اهبط على اقدام كتكوت في النهاية وذلك صار لما بدأت أبحث عن هذا الشاعر اكثر لأنتشي أكثر وأكثر فعرفت أنه ربما يكون ملحد أو كافر لأنه وفي أكثر من قصيدة تجرأ على الذات الإلهية..، تملكني الخوف واعتبرت انه لمن الحرام أن افكر في قصائده مرة أخرى وهو الذي حتى يقول "لا" تجرأ على الله فهل اتجرأ على الله أنا أيضاً لأقول "لا" بنصف وجه أمي، ثم بالتمعن والتفكير تراءى لي أن امي نفسها تتجرأ على الله بصفة دورية نسبة للمصائب أو الابتلاءات التي تحل علينا بين الحين والآخر وقلت في خُلدي ملتمسة الأعذار –لعلها قلة الحيلة عندما تداعب ضعف النفس- ولم لا لعله "أمل دنقل" نفسه كان يعاني مثل ما تعانيه أمي ومثل كل المغلوبون على أمورهم ويرجئون الأشياء العاجزون عن تغييرها لمقدرة ربنا المترفعة عن إحداث التغيير ورفع ورد فساد المفسدين..، من منطلق هذا الشعور الدسيس بافتراض حسن نية الآخر وبعيداً عن شناعة موقفة رجعت أقرأ أشعار "دنقل" واستمتع بها في دخيلة نفسي وأحياناً أخرى استغفر الله وقد أبحث له عن مبررات وتأويلات لا اتيقن صحتها من كذبها كأن أسوّل لنفسي بأنه ربما لم يقصد في قوله "المجد للشيطان" الشيطان بذاته لأنه لا سمح الله لا مجد لأي شيطان فسحقاً لمعشر الشياطين جميعاً ولكن كأنه أشار بالشيطان قاصداً شخص ما حذق مثلا أو شجاع جداً لذلك قال أنه ماكر كما الشيطان، وعلى هذه الشاكلة تهت في دوامة لا أول لها من آخر بعدما فقدت المعنى الأصلي لما أقوم به – فلا رفضت أمي ولا يحزنون – لكنى مع ذلك بقيت على أشعار "أمل دنقل" و كأنها عشقي الممنوع.

غير دبيب الوحدة لم استشعر خلال ساعة طويلة جلست فيها أخيراً على الكرسي الوحيد ساهمة ومتعبة الذهن بعد كل تلك الخواطر الواجسة التي داهمتني، سألت نفسي لم أنا هنا –أي لم سافرت وتغربت؟ - كنت أنشد التغيير دائماً لوضعي الغابر، إذا ما الفارق الآن أو بالأحرى ما الذي سيجعل الأمس مختلف عن الغد؟ حاولت أن ابسط السؤال وأجرده تماماً لتتجلى الإجابة بسلاسة ففكرت بهوادة ما الفارق الحاصل هنا بين اليوم وأول يوم بشيكاغو، وبسعّة صدر استعنت بذكرى الصباح حيث الكثير من الأشياء في مواضع غير مواضعها الأصلية، بعثرة هنا وهناك-أخذت من الانكباب المزعوم على الدراسة والعمل سبباً مقبول للفوضوية-. ثم أكملت بالتسلسل فاستدعيت بالذاكرة أهم ما حدث خلال شهري الأول كله فوجدت حقيقة واحدة لا تقبل التأويل وهي انه لم يُغيرني السفر ولا المكان بل أنا التي نضحت عليهما من إناء العبث المملوء في رأسي عن آخره، حتى انني لم تشطّ بي أي نية لتبديل حياتي السالفة وبدأها من جديد على سجية البلاد والمسكن والمدرسة والأناس والأصحاب الأجداء جميعاً، أحسست أن القصة نفسها انتهت لكن عقلي مازاله لم ينتهي منها بعد.

-         هو العبث. ذاك الإبن الغير شرعي لليأس.

-         لا أفهم من أين تأتي بهذه المصطلحات يا سيد عمر.

-         للأسف هي التي تأتيني...، فقط انسها ودعيها تولى لحالها. هذا علاج مضمون. اسمعي مني.

-         حاضر يا دكتور عمر سأفعل. فأنت حتماً الأدرى.

توارت صورته في عقلي خلف قضبان شريطية سوداء وظلت في ابتعاد وخفت صوته شيئاً فشيء أو كأني أنا التي أصابها الصمم بحق هذه المرة. -أهو العبث..،....لا...لا إنه النعاس-.

يتبع الفصل الثاني..,

تحذير: هذة الرواية ملكي انا فقط ومتاحة إلكترونياً بشكل حصري من خلال مدونتي الخاصة"جمهورية تخاريف" لذا فأي اقتباس أو تقليد أو محاولة لطبعها ورقيا سوف يعرض فاعله للمسائلة القانونية 

أتمنى من كل قلبي إنكم تتركولي تعليق ولو بسيط برأيكم في الفصل الأول من روايتي المتواضعة حتى ولو كان تعليق لنقد أسلوبي بشكل بناء فهذا بالتأكيد ما احتاجه و أرحب به دوما

و بشكركم جدا لحسن متابعتكم..،

محبتي..، إيمان.

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

اســــــــــــتـــــــــــســـلــــــــــــــــــمــــــــــــــــت.....



استسلمت لأيام تمضي كالخيل الجامح 
لا ادرك ما سقط مني 
و لا حتي ادرك لحظة احزن فيها علي ضياعه
لا التقط انفاسي
و لا احسن الشعور بالإختناق
انا هنا و لست هنا



استسلمت معك لطريقة في الحب لا أرغبها
حبك لي يمر بأزمة منتصف العمر
اعلم انها لما تطفأ شعلته 
و لكنها جعلته عجوزا اشمط



استسلمت لإبني الرضيع الذي اهلك بدني بالتعب
و اهلك قلبي بالحب



استسلمت لبيتي الذي إلتهم وقتي الذهيد
ما بين ملابس متسخة و اطباق تملأ حوض الماء
و ارضية يكسوها الغبار و أثاث غير مرتب و أسرة غير مهندمة



استسلمت للألم للضعف للحزن لليأس
فقط استسلمت.....

الخميس، 9 مايو 2013

بريئــــــــــــــــــــــــــــة ٌ من نفــــــــــــــسي...



لحظتها..فعلت ما أفعله دائماً..و هوه أن أتظاهر بما هو دون الذي بنفسي..
لم أسأل نفسي قط و هل أنا جيدة في التظاهر؟؟ أم أن الإفتعال يكون واضحاً بين ثنايا ملامحي؟؟ و إن يكن فهل من مبالٍ لأمري و هل من مهتم من بعده..فهو ذاته بات لا يذكرني حتى بل و صرح بها علناً أمام كل جوارحي..تلك التي باتت تنتظره وحده في لهفة توصل الليل بالنهار و لكم تمنيت لأن أختفي من أمامه حينها و يصمت الكلام المتلعثم في فمي حتى أتركه يغرق  وسط جدران مكانه و رفوف كتبه و إحتشاد الكلمات المكتوبة و المسموعة من حوله ثم يغرق و يغرق ثم لا يجد نفسه من بعدي أبدا..كنت كالحمقاء في ذهابي بل أشد.. فقد كنت أهذي تارة و أنعي الأمل الساذج لنفسي العاجزة أمام نفسها أولاً و أخيراً و تارة ءأسف للظنّ الشارد في غياهب صدري..و تارة ما بين هذة و تلك أتحلى فيها بالصمت الحائر بين حنو حب و جباروت كره بداخلي..حتى وصولي لباب داري و صوت طرقاتي مشاب بأصوات الأهل في الداخل و لكن لا أحد يجيبني..حتى أتتني جنية مسحورة من ذكريات طفولتي فأرسلتني إلى مستقبل قد يكون مشرق لحياتي على عكس حاضر قطب جبينه لما رآني فلم يعد أهلي يذكروني و لا يسمعون طرقاتي فلم يبالوا لأمري بدورهم و لن يقتح بابهم من جديد ليستقبلني.. أو أن تلك الجنية أرسلتني إلى الماضي لأرى نفسي كم كنت زهرة برية نادرة جائها ذلك المختال و إقتلع رأسها ليزيد على غروره غرور و لا يضيف لجمالها و رقتها سوي القبح و القسوة..دمر كل معانيها الخلابة و قتّل فيها قدر ما استطاع.. و لكنه لم يدرك أن جذورها النقية مازالت في رحم الأرض و سوف تفيق يوماً لتُنبت و تشُق الصخر لتُزهر من جديد...و دموعها لسوف يذرفها هو دماً يوماً ما....



محبتي ..,
إيمـــــــــــــان

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

أشتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاق



 
أشتاق لأشعار نزار..لأغنيات كاظم..لرومانسية حليم..لشيء من الزمن الماضي..يعيد لي حنيني لأنوثتي و انتمائي لها..أريد لحناً يقدّرني و يعرف كيف تكون مكانتي..أحتاج لصوتاً يرفق بي و يحيّ فيني من جديد كينونتي..

 
*
*
*
 
محبتي ،
المشتاقة لذاتها
 

الأحد، 29 يوليو 2012

رفقا ً حــبــيـــبي..




جـــــــــــــئت أبـــــــــــحث هـــــــــا هنـــــــــــــــا عنــــــــــــــــك فيــــــــــــك..
تســــــــــــــــألني نفســــــــــــــــــــــي عن ما أعــــــــــــــرفه عـــــــــــــنك..،
و أتســــاءل أنا خِفيــــــــــــــــة عــــــــــــــــما لا أعرفه فيـــــــــــــــــــــك..
فالأسئلة دوما ً واحدة و لكن الاجوبة كالحلم الغامض الذي تفقهه أنت وحدك
و تمتنع عن تنبأتي بتأويله و لو تُــهت في دوامة بحــــور دموعي أمــامك..
أسألك يا آســـــري بالغموض كلـــــــمات لكفيك أودّ لو أرويــــــــها ،
فأقصّ أمانيّ و أبني قصور و أجعلك ملك و أكون أميرة من حور..
و أوصي الكفـــــــــــين بولــــــــــــهي لصــــــــاحبهما و أقول :
" أخبــــــــــروه أنـــي أحبـــــــــــه و لا أطيــــــــــق بعده ، 
و أنه لو جاءوا بالبحور ليطفأوا ناري لو حَزِنَ -لا تفعل-..
و لو جاءوا بالقبور ليدفنوا بهجتي لو فـَـرِحَ -لا تفعل-..
و أني أعشقه أعشقه أعشقه نعم أفعل أفعل أفعل..
أحب غموضـــــــــه و هو واضــــــــــــح..
و أحب قســــــوته و هو حنــــــــون..
و أحب بهــــــجته و هو حزيــــن..
و أحب طفوليـــته و هو رجل..
و أحب نفسي به و من أجله..
وأحبه وأنا أعرفه وأنا لا أعرفه..


إهداء،
له ..


محبتي،
إيمان.

الأربعاء، 25 يوليو 2012

لــــــــــــــــــــــــك وحــــــــــــــــــــــــــــــــدك...




و إن ما قلت لك أن رؤياك نبع كـُــتب عليّ أن لا أرتوي إلا من عذب مائه..فهل لي أن أجعلك تجري بدل الدماء في عروقي..و كلماتك..إن ما قلت لك عنها أنها طعم للحياة كـُـتب عليّ أن لا أتذوق سواه..فهل لي أن تكون ملهم كلامي و صمتي و سكوني و حركتي حتى محيايا أو مماتي..و إن عدت فقلت لك أني أحببتك و أحببت سيرتك حتى من قبل أن أعرفك..فهل لك أن تصدق؟؟!!!

الثلاثاء، 24 يوليو 2012

أنــــــا لــــــــحـــبــيــبــي...




أمسكت قلمي ولا أعرف أين نقطة البداية..و قرأت كتابي ولا أعلم كيف بدأت الحكاية..و مشيت طريقي ولا أدري أين النهاية..وصادفتك..فإستوقفتك..ثم سرقت منك روحك..وخطفتك من نفسك إلي..كتبت على قلبك "أنت لي وحدي" وكنت على أتم إستعداد لأن أشن الحرب على أي اخرى لو حاولت أن تمحو ما قد نقشته أنا..فأنت ملكي أنا..و ماضيك كان أنا و حاضرك يكون أنا و مستقبلك سيكون أنا..ذكرياتك أنا.. فرحك أنا..كيانك أنا..حديثك أنا..صمتك أنا..و حبك هو أنا..سأنسيك كل الأسماء إلا إسمي أنا و سأمحو كل اللغات من ذاكرتك إلا لغتي أنا ..و سأخفي كل الصور عنك إلا صورتي أنا..و سأبدل كل الأصوات بصوتي أنا و أصرخ و أقول:يا من أحببتك و رأيتك قمراً في سمايا..يا من ملكت قلبي بهواك..يا من إستوطنت عمري و لم و لن يكن عمري وطناً لسواك..يا من رأيتك بروحي قبل أن أراك بعيني..و عشقت كونك قبل أنا أعشق طلتك..ولمست قلبك قبل أن أعانقك..و هويتك قبل أن أملكك..إني أعترف لك بأني أدمنتك سيدي..وأصبحت لا أكون نفسي إلا معك..فإن ضحكت كان في وجهك و إن بكيت كان على كتفك، فهنا ولدت و هنا أتمنى لو أموت و تارة أغفو و أتمنى لو لن أفيق..و إن ما أفقت قبلت وجنتيك وأمعنت النظر إليك فرويت عطش شوقي و أدركت كم اهواك فأقترب منك أكثر و أهمس لك كل يوم و كل ساعة وكل لحظة و أنا حتى لا أدري هل ستسمعني و هل ستفهمني!!!..فقط لا أدري و على الرغم أردد همستي وحسبي عليها و على دمعة تصحبها فأخفيها عنك و أقول :لا تروح بعيداً عني..فروحي أقسمت على صحبتك مدى الحياة فإن رحت راحت عنى معك و هي والله لا تغلو عليك و لكني فقط سأموت ألماً لا لفراقها و لكن حبيبي لفراقك.


رواية : الحياة تبدأ عند المنتهى

بسم الله الرحمن الرحيم رواية : الحياة تبدأ عند المنتهى بقلم : إيمان أحمد مد زراعك لجعبة النشوات..، لامسها وتفحصها ،داعبها جيداً قبل ...