أحبك ما حييت ..
شمساً أبهتت السحب نورها .. فإذا بها تتساءل عن أضوائها التي خفتت .. و ضباب تمكن من زمام أمر الحال .. فشكل طقساً إستبدل صمت الكآبة .. بحيرةٍ تكاد تضيء قلوب العقول وهجاً .. و طفلة .. لو أني نسيت ملامح وجهى ما نسيت ملامحها .. أراها غامضة .. بل إنها شديدة الوضوح و الصفاء لدرجةٍ جعلتها شفافة كأجود أنواع الزجاج .. حاولت أن أدقق النظر و أتمعن جيداً في نواحي ملامحها .. فلم أعثر لها على أي هوية مظهرية .. و كلما بذلت تركيزاً في سبيل الوصول لأي شيء أستشف من خلاله إجابة لتساؤلاتي .., لا أرى سوى تلك الأشياء خلفها .. فهي بالفعل شفافة .. لم أجد فيها سوى الغموض .. و أي غموض ؟؟ غموضُُ تام الوضوح .. تلك النقية .. من هي ؟؟ و هل لها علاقة بذلك الجو المريب الذي أحاط بكل ركن حولي .. كلاهما يشترك في انهما ظهرا بشكل مفاجيء .., و على غير سابق بشير .. و كأن تلك الصغيرة خُلقت في لحظات من لا شيء .. و أتت محمّلة بغضب فريد النوع .. فكان له الفضل في وجود التعاسة التي عمت كل الأرجاء .. حسبتني للحظات أهزي بتخمينات لا تعرف معناً للواقع .. و لكن تلك النظرة التي رمقتني بها .. آلمني سهمها الصادق .., حيث قتل الإحتمالين لدي .. الواقع و ما دون ذلك .. و لم يعوضني .. فلم يعطني بديلاً عنهما .. و ذهب ألم الوخذة الأولى .. ليتلوة آلم وخذة آخرى .. بها فقدت الشعور بالحياة للحظة ُأخرجت فيها جميع الرموز التي إحتواها قلبي لأيامٍ و شهورٍ و ربما سنين .. إنتُزعت منه لتحلق في الأثير بيني و بين المجهولة الصغيرة .. متجاهلة نظراتي الملهوفة .., و متفادية الثاقب مِن نظرات مَن إنتزعتها مِن موطنها المظلم لتعرضها للضوء .. تلك الطفلة .. ما بال قوتها و مالها تجردني من أسراري .." فكيف لها أن تجرؤ ؟؟!! .. " .. " و من غيري تلك التي تجرؤ " .. ردت هي .. فجعلتني كمن شُل كلياً , و دفعت بي للسقوط من على حافة هاوية الحيرة .. فكيف سمعت ما قد اسررت به داخل نفسي و لم أعلنه حتى .. و ذهب رد ليليه آخر .. " و كيف لا أسمع نجواكِ و أنا أنتي و أنتي بي تكونين و تكنّين .. رددت شفتاي ما قالت في صمت و حيرة أزاد إشتعالها داخلي ذلك الطقس العبوس الذي تشكل في أول الأمر .. لا أعرف لما تفاديت أن أسأل لأفهم و شرعت أقتّل فيّ كل شيء .., أي شيء يشتت تركيزي لحظتها .. أردت تكريس كل الجهد في محاولة إبعاد تلك الذكرى الحية عن نظر الصغيرة التي شفّت وجداني و زلزلته .. هى تحلّق مع بقية الذكريات خاصتي عالياً و لكنها تفرق عن غيرها .. عرفتها بمجرد ان لمحت فيها لونها الذهبي المتالق .. فأنا عهدت نفسي لها نفس اللون حين تذكرها و الرجوع حنيناً لعيش لحظاتها بالمخيّلة .. أعود لأراه من جديد .. أراقب كلماته و حركاته و ثنايا ملامحه .., و كل شيء فيه .. أعود لأجدني أناقشه .. أجادله .. لأجدني أضحك معه و يضحك معي .. أعود للماضي مشتاقه و أفيق في الحاضر و أنا أكثر إشتياق .. و لا و لن أملّ الإشتياق مستقبلاً .. " لذا فأرجوكي لا تقصدي تلك الذكرى .. " لا تحرميني لوني الذهبي " .. " لا بل أقصدها " .. قالتها بكل العنف .. فطرحتني أرضاً غارقة في البكاء و الأنين ..
- ماذا تريدين مني ؟؟
= أنا لا أريد منكِ شيء ..
- إذن فلم انتي معي هنا ؟؟
= و لم انتي هنا ؟؟
- هذة حريتي ..
= فما قولك إذا كانت حريتك تأسرني ...!!
- لا شأن لي بحالك ..
= بل شأنك و بل أن كل الشأن شأنك ..
- أي شأن تتحديث بلسانه ؟؟
= شأن ذنبك ..
- أوصار الحب ذنباً في رأيكِ ؟؟
= لا بل الذنب أن تعلقي كل المصير بكذبة .. ليس إلا , و لا تنكري يقينك بأنها كذبة ..
- أعلم بكونها كذبة و لكنها أروع من أن تكون حقيقة .. بها من سحر الخيال ما يجعل شأنها أسمى من حقيقة الواقع ..
= عندما تصبح حقيقة ستصبح أقوى و تكونين بها بالفعل صاحبة حرّية ..
- أن تحولي كذبة إلى حقيقة ليس بالأمر الهين .. و أن تسيري في دروب الدنيا و كل ما تحمليه في جعبتكِ هو إيمانكِ بكذبة .. مثله كمثل إنكار الحقيقة و الكذبة في آن واحد .. و الغدو في غير مبالاه .. حتى و لو كان المصير المحتمل هو الضياع ..
= إنك تهزي ..!! .. أفتحبينه لهذة الدرجة أم أنك واهمة ؟؟
- لا أعرف و لكني لا أنساه وهلة .. ففي ضحكي أذكره و أعلم أنه يضحك مثلي .. و في بكائي أذكره , و أشعر بحزنه لأجلي .. و لكثر ما أشتاق لرؤيته و لملاحظة تعابيره و لسماع صوته و لمعرفه أخباره و لأن أقولها له فيرد بأروع منها على مسامعي " أحبك ما حييت " ..
= يالك من محبة صادقة و واهمة مخدوعة .. أفتظنين أنه يذكركِ بمثل ما تذكريه ؟؟
- الحق معك ِ .. فطريقي و طريقه لا يلتقيان ظاهرياً .., و لكني أرى بقلبي مفترق طرق من سندس يجمعنا في المستقبل القريب .. ثنائياً لا مثيل له .., و هنا أتحول من مجرد ذكري تجوب روحه إلى أن أكون روحه ذاتها ..
= تحلمين ..
- يكفيني أنه حلم صادق ..
= و يُؤرقني إحتمال كذبه ..
- لا تقلقي بشأني .. و لتتحمليني في أول مرة بعمري كله أشعر بنبض قلبي ..
= لك ذكراك آنستي .. و لتكوني دائماً كما عهدتك قوية و صادقة ..
- على رسلك .. فأنتي لم تُعلميني من أنتِ بعد ..؟؟
= إسألي من تحبيه يوم لقائكما إن إلتقيتما .. و إن لم يكن فلا يُهم أن تعرفي ..
ذهبت و أنا أستشعر بداخلها نار القلق تتوهج .. أردت ان اطمئنها أكثر و لكني تراجعت بعد إختفائها السريع و تبخر كل غريب كأنه لم يكن .. حتى الطقس كاد كما لو كان الربيع في صباه .. و هنا عمّ التفاؤل نفسي و أخذتني قدماي نحو مكان ذكراه الذهبية تتراقص في مخيلتي و أنا أردد " أحبك ما حييت " ..