دموع أوشكت على النضوب ..
اليوم تذكرته .. و إسترجعت كل مشاهد – الفيلم - الذي كنا انا و هو فقط أبطاله .. لم تكن تلك الذكرى بالبعيدة عن ساحة عرض عقلي .., فما تحويه من نتاج ما قد تقاسمته أنا و السلف .. إعتدت على تكراره كل يوم .. أنا .. أخذت صور متحركة ذات أصوات متباينة و ألوان متداخلة .., أستطيع مشاهداتها وقتما شئت .. و السلف .. أخذ الأحداث ذاتها و معها محدثيها .. إنطوى بصفته سلفاً .., و طوى معه أناس عرفتهم .. أحببت بعضهم .., و كرهت البعض .. طوى أفراح و أحزان .. صراخات و ضحكات .. نجاحات و سقطات ..
ذكراه كانت كلما راودتني .. ظلت تؤنبني .. و توبخني .. و تنعتني بصفات ناكري المعروف .. كانت تتهمني بالقتل .. ترى أنني قد ذبحت صاحبها بسكين لساني .. تلذذت بدفعه ليلقى حتفه خارج عالمي الدنيوي .. فيظل طوال عمره حياً جزئياً .. حياً في أي مكان كان .. إلا .. داخل دنيا عالمي .. فهو بلاريب متوفي ..
بدوري كنت لا أصمت أمام تهكمات تلك الذكرى الخبيثة .. فكيف ألزم نفسي بالعدول عن الكلام أمام كل تلك الإدعاءات الظالمة المتحيّزة .. كيف .. أنا لا انكر أبداً صحة تلك الاحداث في الواقع .. و لكني لي أسبابي الخاصة .. لي دوافعي المحرّضة .. لذا فقد حق لي الصراخ .. كي يعلو صوتي فوق كل صوت .. كي تدوي جملتي هذة و التي قد تلفظتها بجميع أنواع اللغات في شتى القواميس .. أطلقت فحول صوتي الجامحة و قلت : " أنا المظلومة .. لا الظالمة .. " ..
و بقى الحال على ما هو عليه .. ربما لأيامٍ تخفت في صورة شهور .. أو شهور تحلت بطول زمن سنين .. لا أعرف .. فمنذ ذلك اليوم الذي قُدّر لي فيه أن تُحفظ تلك الذكرى داخل عقلي .., و الوقت لا يعني لي سوى الملل السحيق .. فلم ألق بالاً لحسابه و لم أضعف أمام بخل مروره ..
إلا اليوم .. فقد كانت لي رؤيا مختلفة تماماً عن جميع ما سبقها للأحداث السّلفية .. رؤيا .. لم تنفي ما قد شجبت و إستنكرت به في السابق نفياً كلياً و أيضاً لم تُثبت كامل ما قد وُجِه إلىّ من إتهامات أمام ساحة قضاء ضميري .. و لكنها جعلتني أرى الأمور من منظور ثالث .. لا علاقة له بالإثبات و لا شانه له بالنفي .. فقط كان يطلّ على الأمور من نافذة ذات زجاج نقيّ مكنني من الرؤية بكامل الوضوح .., بل منحني أن أستشعر ما يجوب كل نفس .. أن أسمع كل نجوى .. أن ...... أن أحكم حكماً لن يعرفه غيري و لن يأخذ أحد بإعتباره .. فقط لأعرف بيني و بين نفسي من جنى و من جُني عليه ..
هنا بكيت .. فلم أملك حينها سوي الدموع .. تركتها هي تحكم .. هي ستكون أعدل .. ستكون أطهر .. ستكون أقوى ..
بالفعل هي القوة .. هي ما تسببت في وجود عقدة القضية و هي أيضاً من سيحللها .. أنا كان بي داء نقص القوة .. كنت وحدي .. فوجدتك تدخل عالمي .. تؤانسني .. تحاكيني .. تجادلني .. تشاركني إلتهام وحدتي .. و كنت خائفة .. من كل شيء و أي شيء .. وجدتك تطمأنني .. تداعبني .. تشاطرني الفرح حين ذهب خوفي ..
و فجأة ..
عاد كل شيء كما كان سابقاً .. عاد الخوف ليسكنني .. و عادت الوحدة لتكون ظلي .. لم تكن أنت السبب .., بل أنا .. أنا من إختار العودة للعهد القديم .. فقط لأنني تذكرت أن أسألك سؤالاً واحداً .. لو أنني جازفت و فعلتها .. فوالله ما كنت بمجيب ..
من أنت ؟؟ و ما هي هويتك ؟؟
ياللحماقة .. أسأل كائن أجنبي دخيل على عالمي .. من أنت ؟؟.. و كأنني أسأل كائن فضائي ما تصنيفك ها هنا على كوكب الارض .. بالطبع ستكون الإجابة >> لا شيء ..
ضعفي .. صنع مني ظالمة .. بالفعل ظلمتك .. و لكنك أيضاً ظلمتني و ظلمت نفسك معي ..
لذا فقد حكمت محكمة ضميري .. بأعدل ما يكون لنا كلانا .. ألزمتك أن تظل لا شيء بالنسبة لي طوال عمرك .. و ألزمتني أن أبذل الدموع من أجلك حتى ينضب ما لدي منها ..
*
*
*
إهداء >> له ..